-->

افتتاح ملتقى لمنجزات الرواية العربية بالقاهرة

 بقلم \عبد الرحمن هاشم
photo.phpافتتح الأحد بدار الأوبرا المصرية الملتقى الدولي السادس للرواية العربية دورة فتحي غانم تحت عنوان “تحولات وجماليات الشكل الروائي” ويستمر حتى 18 مارس الجاري، بمشاركة مائتي ناقدًا وروائيًا يمثلون 20 دولة عربية وأجنبية. وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة د. محمد عفيفي في الكلمة الافتتاحية: يعد الملتقى واحدًا من أهم الملتقيات العلمية المتخصصة في مجال الرواية العربية، وأهديت الدورة الأولى لنجيب محفوظ والثانية لاسم إدوارد سعيد، والثالثة أهديت إلى اسم الراحل عبد الرحمن منيف. وتمنح جائزة القاهرة للإبداع الروائي العربي في نهاية فاعليات الملتقى، والتي تقرر مضاعفة قيمتها المادية لتصبح مائتي ألف جنيه مصري بدلاً من مائة ألف جنيه،

وقد فاز بالجائزة في دورتها الأولى السعودي عبد الرحمن منيف؛ وفاز بدورتها الثانية المصري صنع الله إبراهيم؛ وكانت الدورة الثالثة من نصيب السوداني الطيب صالح وفاز المصري إدوار الخراط بالدورة الرابعة؛ وكان آخر الحاصلين على الجائزة في عام 2010 الليبي إبراهيم الكوني؛ ويعلن اسم الفائز بجائزة القاهرة للإبداع الروائي العربي في دورتها السادسة خلال ختام فاعليات الملتقى مساء يوم الأربعاء المقبل بإذن الله.

وتأتي أهمية الدورة الحالية للملتقى، من كونها أول دورة تعقد بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو حيث ترصد مدى تفاعل الأدب والأدباء مع التغيرات السياسية والمعيشية التي أحدثتها ثورات الربيع العربي وما أعقبها من أحداث؛ ومدى دور المثقف في إحداث هذه التغيرات، ويتناول الملتقى عددًا من الإشكاليات المتعلقة بفن الرواية العربية من خلال عدد من المحاور الرئيسية التي تناقش على مدار أيام الملتقى منها: الرواية وحدود النوع، اللغة في الرواية، تطور التقنيات الروائية، الفانتازيا والغرائبية، الرواية والتراث، الرواية والفنون، شعرية السرد، القمع والحرية، تقنيات الشكل الروائي، الرواية ووسائط التواصل الحديثة.

وبالإضافة إلى المحاور، ومن أجل الدراسة المتعمقة وطرح الرؤى المختلفة حول حالة الرواية العربية سوف يتضمن الملتقى تنظيم خمس موائد مستديرة تتناول كل واحدة منها قضية من القضايا الإشكالية، وهي: الرواية والخصوصية الثقافية، الرواية الرائجة، الظواهر الجديدة في الرواية العربية، الرواية والدراما، جماليات الواقع الفانتازي.

وبجانب الأبحاث والمناقشات سيتم تنظيم جلسات بعنوان “شهادات وتجارب روائية” يقوم خلالها الروائي بطرح تجربته في كتابة الرواية والمعوقات التي صادفها وسبل اجتيازها.

وفي كلمته قال الدكتور صلاح فضل مقرر اللجنة العلمية للملتقى: هذا الملتقى يؤكد أن من يتوهم أن موجات التنوير قد انتكست في أوطاننا العربية فهو لا يعرف قراءة الواقع. فالمبدع لا يكتفي بأن يعكس تحولات الحياة التي يعيشها ولكنه يسهم في صناعتها. هذه الدورة تتميز بخصائص، أولاً: أنها دورة عجيبة شهدت في رعايتها ثلاثة وزراء للثقافة د. محمد صابر عرب قرر إقامتها وشكل لجنة علمية للإعداد لها رأسها من أصبح وزيراً للثقافة من بعده وهو الدكتور جابر عصفور ثم تعقد الدورة في رعاية الوزير الجديد د. عبد الخالق نبوي.

وهذا يؤكد أن السياسة التي زخرت بمتغيراتها خلال ثمانية أشهر لا تستطيع التأثير على الثقافة التي تزهو بثوابتها والتي ستظل تقود السياسة وتوجه حركتها وتمارس دورها. ثانياً: عقدت هذه الدورة عزمها على أن تفتح أذرعها للشباب كي يجدد من دمها وينضر من شكلها. ثالثاً: ركزت على أن ترصد تحولات الواقع فالإبداع لا ينفصل عن الواقع ولا يتخلف عنه.

وقالت زوجة المحتفى به الروائي فتحي غانم: تأتي هذه الدورة لتواكب عيد ميلاده الـ 91 فقد ولد في 24 مارس 1924م ومنذ أن بزغ نجمه في سماء الرواية العربية في خمسينيات القرن الماضي وحتى رحيلة عام 1999 ظل واحداً من الذين أثروا فن الرواية. وأشارت د. زبيدة عطا إلى أن قصص زوجها تحولت إلى أعمال سينمائية ودرامية وحسناً فعل الملتقى حين اختاره ليهدي دورته السادسة إليه.

وحسنأً فعلت الهيئة العامة للكتاب حين أصدرت أعماله الكاملة في ثمانية أجزاء وعرضتها بتخفيض يصل إلى 50%. وأضافت: فتحي ما زال حياً من خلال صفحات رواياته، عشق الأدب واحترف الصحافة وتولى العديد من المناصب القيادية في الجمهورية ووكالة أنباء الشرق الأوسط وروزاليوسف وصباح الخير وعبرت رواياته عن الإنسان المصري وعن تحولات مجتمعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. عكست روايته “الرجل الذي فقد ظله” و “زينب والعرش” عالم صاحبة الجلالة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات. وفي “تلك الأيام” و “الأفيال” تنبأ بما ستصير إليه مصر في نهاية عهد السادات.. كل رواياته كانت تعبيراً حياً لأحداث واقعية وترجم العديد منها إلى لغات أجنبية.

فتحي كإنسان كان خلوقاً لكل من عرفه.. احترم ذاته فلم ينافق ولم يسع يوماً إلى منصب أو تزلف لسلطان بل تسببت مقالاته عام 1976 في استبعاده هو وصلاح الدين حافظ من روزاليوسف لفترة طويلة. يكفي أن أقول أن عناوين المقالات التي كتبت عنه بعد وفاته وصفته بأنه الرجل الذي لم يفقد ظله. وقال الناقد د. محمد برادة (كلمة المشاركين): لا تستطيع الرواية أن تقفز على الحاضر أو تتناساه حتى إذا التحفت بالتاريخ أو أحداث الماضي فإنها تظل مشدودة إلى الحاضر.

نأتي اليوم لنناقش منجزات الرواية العربية في العقود الأخيرة وأعيننا على واقع مجتمعاتنا العربية الممتلئة بالصراعات الدموية.. وأعيننا على واقع أنظمتنا كابحة الحرية.. وأعيننا على واقع الانتفاضات الشبابية وأسباب إجهاض الثورات. لا تزال مجتمعاتنا ومنذ عقود بعيدة تعاني ممن يستخدمون الدين لغسل الأدمغة وتبرير العنف للوصول إلى السلطة. لا تزال مجتمعاتنا ومن عقود تعاني من وجود أنظمة تعتمد على إلغاء إرادة المواطنين وإلغاء حقهم في حرية الفكر والاعتقاد والديمقراطية والعيش الكريم.

لقد آلت أوطاننا في فترة ما بعد الإحتلال إلى الانحراف عن مقاصد الانتماء وآلت حكوماتنا الوطنية إلى اعتناق دين التسلط والاستبداد ووأد مشاريع التحديث والدمرقة وسدت جميع الأبواب أمام الفكر النقدي وأمام الاجتهاد الساعي إلى الإصلاح وأمام النضال السياسي المنادي بالحرية.

عاشت مجتمعاتنا عقوداً من التجمد والقهر ومصادرة الآراء وجاءت هزائمنا المتتالية لتكشف الغطاء عن خواء الأنظمة وخور جيوشها. بالتوازي مع هذا الواقع السياسي المؤلم كانت الرواية العربية تلمس واقع الجرح وتضع أيديها على أسباب المرض وغدت متنفساً وملجأً للكتاب والشباب والمواطنين يزعزع الجامد المتيبس ويقتحم المسكوت عنه. استطاعوا أن يتخذوا من الرواية فسحة للقول الجرىء والتجريب الفني المحقق للمتعة المبتعد عن الابتذال.

وعلى امتداد أكثر من 100 سنة حازت الرواية العربية على جوائز عالمية وأثارت انتباه القراء خارج الحدود لأنها تحمل خطاباً مضيئاً يضيء عقول الناس يختلف عن الخطاب المسخ الذي تتدثر به الأنظمة ومؤسساتها الرسمية. وقالت الناقدة د. نوران فؤاد مسؤول “الإصدار الأول” بالمجلس الأعلى للثقافة: ينبغي ألا يبعدنا زخرف القول عن إشكالية العلاقة بين الروائي والسياق المجتمعي المحاصر بالضبابية وفقدان البوصلة. التحدي الرئيس الذي يواجه الروائي هو طرح الأسئلة الغائبة والمغيبة، حول: تحرير الفرد من كل أنواع الوصاية، وتكوين مجتمع ديمقراطي يرفض الاستبداد ويرفض أيضاً شعار المستبد العادل.

الرواية وثيقة الصلة بسؤال الهوية المرتبط بالمصير وتحولات العالم وهي بحث عن ما كان يمكن أن يكون لكنه لم يتحقق. والواقع بحاجة ماسة إلى عوالم متخيلة تنسجها الرواية لتؤكد أن هذا الواقع المأزوم قادر على أن يكون على غير ما هو عليه. الرواية وسيلة للكشف والتعرية وطرح الأسئلة المكبوتة. وتعميق أشكالها وسيلة كذلك إلى حث القارىء العربي على تحقيق ما ينقص الواقع العربي بعيداً عن العنف والتدمير والتفجير.

ومن جانبه صرح الناقد د. لطيف زيتوني أستاذ السرديات في الجامعة اللبنانية الأمريكية بأن العمل الروائي الجاد في نظره ينظر برأسين اثنين: رأس يلتفت إلى الذاكرة الأدبية يستلهم لغتها وصورها وأساليب سردها، ورأس آخر ينظر إلى الحاضر يقتنص مجمل مشاغله وعميق هواجسه.. وفي هذه الحركة المزدوجة تكمن قيمة الرواية وتكمن قيمة مبدعها.

مي مراد

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: